فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ كَيْفِيَّةِ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: صِفَاتُ هَذَا الْحُكْمِ:

وَأَمَّا صِفَاتُ هَذَا الْحُكْمِ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنَّهُ يَنْفِي وُجُوبَ ضَمَانِ الْمَالِ، وَالْجِرَاحَاتِ عَمْدًا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ، أَوْ خَطَأً، أَمَّا الْمَالُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِّ، وَالضَّمَانِ عِنْدَنَا.
وَأَمَّا الْجِرَاحَاتُ إذَا كَانَتْ خَطَأً؛ فَلِأَنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا؛ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ فَكَذَا ضَمَانُ الْجِرَاحَاتِ، قَدْ ذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ مِنْ الْمَسَائِلِ بِهَذَا الْأَصْلِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا التَّدَاخُلُ حَتَّى لَوْ قَطَعَ قِطْعَاتٍ فَرُفِعَ فِي بَعْضِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَرِجْلُهُ فِيمَا رُفِعَ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ لِلْقِطْعَاتِ كُلِّهَا كَمَا فِي السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ ثَمَّةَ التَّدَاخُلَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْفَائِدَةِ مَعَ بَقَاءِ مَحِلِّ الْقَطْعِ، وَهُوَ الرِّجْلُ الْيُسْرَى، وَهَاهُنَا التَّدَاخُلُ لِعَدَمِ الْمَحِلِّ.
وَالْكَلَامُ فِي الضَّمَانِ فِيمَا لَمْ يُخَاصَمْ فِيهِ مَا هُوَ الْكَلَامُ فِي السَّرِقَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ قَائِمًا يَرُدُّهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الْعَفْوُ، وَالْإِسْقَاطُ، وَالْإِبْرَاءُ، وَالصُّلْحُ عَنْهُ فَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ قَطْعٍ، أَوْ صَلْبٍ يُسْتَوْفَى مِنْهُ، سَوَاءٌ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ، وَأَرْبَابُ الْأَمْوَالِ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَعْفُو أَوْ سَوَاءٌ أَبْرَءُوا مِنْهُ، أَوْ صَالَحُوا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَيْضًا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ تَرْكُهُ، وَإِسْقَاطُهُ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ حَدٌّ، وَالْحُدُودُ حُقُوقُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَا يَعْمَلُ فِيهَا الْعَبْدُ، وَلَا صُلْحُهُ، وَلَا الْإِبْرَاءُ عَنْهَا.

.فَصْلٌ: مَحِلُّ إقَامَةِ هَذَا الْحُكْمِ:

وَأَمَّا مَحِلُّ إقَامَةِ هَذَا الْحُكْمِ فَنَقُولُ: مَحِلُّ إقَامَةِ هَذَا الْحُكْمِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْقَتْلُ بِأَنْ قَتَلَ، أَوْ أَخَذَ الْمَالَ، وَقَتَلَ، أَوْ الْحَبْسُ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلْ، وَلَكِنَّهُ خَوَّفَ لَا غَيْرُ فَمَحِلُّ إقَامَتِهِ النَّفْسُ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْقَطْعُ بِأَنْ أَخَذَ الْمَالَ لَا غَيْرُ فَمَحِلُّ إقَامَتِهِ الْيَدُ الْيُمْنَى، وَالرِّجْلُ الْيُسْرَى؛ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ}، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ سَلَامَةُ الْيَدِ الْيُسْرَى، وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ فِعْلِ الْحَدَّادِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ الْيُسْرَى مَكَانَ الْيُمْنَى مُتَعَمِّدًا، أَوْ مُخْطِئًا، وَحُكْمُ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَطَعَ الْيَدَ الْيُسْرَى خَطَأً أَوْ عَمْدًا هاهنا مِثْلُ الْحُكْمِ فِي السَّرِقَة، قَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَكَذَا مَحِلُّ الْقَطْعِ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى هُوَ الْمَفْصِلُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَنْ يُقِيمُ هَذَا الْحُكْمَ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يُقِيمُ هَذَا الْحُكْمَ فَاَلَّذِي يُقِيمُهُ الْإِمَامُ، أَوْ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ، لَيْسَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا إلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ شَيْءٌ، بَلْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ طَالَبَ الْأَوْلِيَاءُ، وَأَرْبَابُ الْأَمْوَالِ بِالْإِقَامَةِ، أَوْ لَمْ يُطَالِبُوا، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: الْمَوْلَى يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَمْلُوكِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ الْإِمَامِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْقِطُ هَذَا الْحُكْمَ بَعْدَ وُجُوبِهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْقِطُ هَذَا الْحُكْمَ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَالْمُسْقِطُ لَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَشْيَاءُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ:
(مِنْهَا) تَكْذِيبُ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الْقَاطِعَ فِي إقْرَارِهِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ.
(وَمِنْهَا) رُجُوعُ الْقَاطِعِ عَنْ إقْرَارِهِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ.
(وَمِنْهَا) تَكْذِيبُ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ.
(وَمِنْهَا) مِلْكُ الْقَاطِعِ الْمَقْطُوعَ لَهُ، وَهُوَ الْمَالُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ.
(وَمِنْهَا) تَوْبَةُ الْقَاطِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أَيْ: رَجَعُوا عَمَّا فَعَلُوا فَنَدِمُوا عَلَى ذَلِكَ، وَعَزَمُوا عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلُوا مِثْلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ عَلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إذَا تَابَ قَبْلَ أَنْ يُظْفَرَ بِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَتَوْبَتُهُ بِرَدِّ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ لَا غَيْرُ، مَعَ الْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ مِثْلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ أَصْلًا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَتْلُ حَدًّا، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ الْمَالَ، وَقَتَلَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَكِنْ يَدْفَعُهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِيَقْتُلُوهُ قِصَاصًا إنْ كَانَ الْقَتْلُ بِسِلَاحٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلْ فَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ عَنْ طَوْعٍ، وَاخْتِيَارٍ، وَيُظْهِرَ التَّوْبَةَ عِنْدَهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتَّوْبَةِ، وَقَدْ تَابَ فَلَا مَعْنًى لِلْحَبْسِ، وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ الصُّغْرَى، إذَا تَابَ السَّارِقُ قَبْلَ أَنْ يُظْفَرَ بِهِ، وَرَدَّ الْمَالَ إلَى صَاحِبِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى؛ لِأَنَّ مَحِلَّ الْجِنَايَةِ خَالِصُ حَقِّ الْعِبَادِ، وَالْخُصُومَةُ تَنْتَهِي بِالتَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ تَمَامُهَا بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا وَصَلَ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ مَعَ السَّارِقِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْخُصُومَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَعَدَمُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ إنْ كَانَتْ شَرْطًا لَكِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ عَامِلُهُ بِالْبَصْرَةِ أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ زَيْدٍ حَارَبَ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَكَتَبَ إلَيْهِ- سَيِّدُنَا- عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ حَارِثَةَ قَدْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ فَلَا تَتَعَرَّضْ لَهُ إلَّا بِخَيْرٍ هَذَا إذَا تَابَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إذَا تَابَ بَعْدَ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَخَذَ، ثُمَّ تَابَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عَنْ السَّرِقَةِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ بِرَدِّ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَبَعْدَ الْأَخْذِ لَا يَكُونُ رَدُّ الْمَالِ، بَلْ يَكُونُ اسْتِرْدَادًا مِنْهُ جَبْرًا فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَهُوَ بَعْدَ الْأَخْذِ مُتَّهَمٌ فِي إظْهَارِ التَّوْبَةِ فَلَا تَتَحَقَّقُ تَوْبَتُهُ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ سُقُوطِ الْحَدِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ:

وَأَمَّا حُكْمُ سُقُوطِ الْحَدِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَحُكْمُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِمَانِعٍ فَنَقُولُ:- وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ- إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ لَا غَيْرُ رَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا، أَوْ مُسْتَهْلَكًا؛ فَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانُوا قَتَلُوا لَا غَيْرُ يُدْفَعُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ بِسِلَاحٍ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِيَقْتُلُوهُ، أَوْ يَعْفُوا عَنْهُ، وَمَنْ قَتَلَ بِعَصًا، أَوْ حَجَرٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ، وَقَتَلُوا فَحُكْمُ أَخْذِ الْمَالِ، وَالْقَتْلِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَا هُوَ حُكْمُهُمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ صَارَ حُكْمُ الْقَتْلِ، وَأَخْذُ الْمَالِ، وَهَلَاكُهُ، وَاسْتِهْلَاكُهُ مَا هُوَ حُكْمُهَا فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ مَا قُلْنَا.
وَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ، وَجَرَحُوا، أَوْ أَخَذُوا الْمَالَ، وَقَتَلُوا، وَجَرَحُوا قَوْمًا، أَوْ جَرَحُوا قَوْمًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَخْذٌ، وَلَا قَتْلٌ فَحُكْمُ الْقَتْلِ، وَالْمَالِ مَا ذَكَرْنَا، وَالْجِرَاحَاتُ فِيهَا الْقِصَاصُ فِيمَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقِصَاصِ، وَالْأَرْشُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ سُقُوطِ الْحَدِّ صَارَ كَأَنَّ الْجِرَاحَةَ حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا، وَكَذَلِكَ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ قَتْلٌ، وَلَا أَخْذُ مَالٍ قَدْ أَخَافُوا قَوْمًا بِجِرَاحَاتٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا يُسْتَطَاعُ فِيهِ الِاقْتِصَاصُ، وَالدِّيَةُ فِيمَا لَا يُسْتَطَاعُ فَيُودَعُونَ السِّجْنَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا.
وَالتَّعْزِيرُ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْجِرَاحَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ، قَدْ قَتَلُوا أَوْ أَخَذُوا الْمَالَ، أَوْ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْحَدُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِرَاحَةُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ يَصِحُّ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْحَدِّ، وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْمَالِ، وَالْقِصَاصِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِمَا.
(وَأَمَّا) إذَا كَانَ السُّقُوطُ بِتَكْذِيبِ الْحُجَّةِ مِنْ الْإِقْرَارِ، أَوْ الْبَيِّنَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْحُجَّةِ وَقَدْ بَطَلَتْ أَصْلًا، وَرَأْسًا، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ دَرْءًا لِلْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ ضَمَانِ الْمَالِ، وَالْقِصَاصِ فَهُوَ الْفَرْقُ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِمَانِعٍ بِأَنْ فَاتَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْحَدِّ نَحْوَ نُقْصَانِ النِّصَابِ بِأَنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ لَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا.
وَيَضْمَنُونَ إنْ كَانَ هَالِكًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا، وَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ بِسِلَاحٍ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَمَنْ جَرَحَ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ، وَفِيمَا لَا يُمْكِنُ يَجِبُ الْأَرْشُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَدَّ إذَا امْتَنَعَ وُجُوبُهُ فَقَدْ حَصَلَ الْأَخْذُ، وَالْقَتْلُ، وَالْجِرَاحَةُ مِنْ غَيْرِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَحُكْمُهَا فِي غَيْرِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الْمُحَارِبِينَ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ حَتَّى امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ يُدْفَعُ كُلُّ بَالِغٍ عَاقِلٍ قَتَلَ مِنْهُمْ بِسِلَاحٍ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فَيَقْتُلُونَ، أَوْ يَعْفُونَ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَلِيَ الْقَتْلَ مِنْهُمْ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَتَلَ بِسِلَاحٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ عَمْدُهُمَا خَطَأً، وَإِنْ كَانَا أَخَذَا الْمَالَ ضَمِنَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ ضَمَانِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْقُطَّاعِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي رَجَعُوا فِي ذَلِكَ إلَى حُكْمِ غَيْرِ الْقُطَّاعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الْحُكْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ:

وَأَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ إنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ أَيْنَمَا وَجَدَهُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي يَدِ الْمُحَارِبِ، أَوْ فِي يَدِ مَنْ مَلَّكَهُ الْمُحَارِبُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَالُ إلَى الزِّيَادَةِ، أَوْ النُّقْصَانِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.كِتَابُ السِّيَرِ:

وَقَدْ يُسَمَّى كِتَابَ الْجِهَادِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ مَعْنَى السِّيَرِ، وَالْجِهَادِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، وَفِي بَيَانِ مَا يَنْدُبُ إلَيْهِ الْإِمَامُ عِنْدَ بَعْثِ الْجَيْشِ، أَوْ السَّرِيَّةِ إلَى الْجِهَادِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْغُزَاةِ الِافْتِتَاحُ بِهِ حَالَ شُهُودِ الْوَقْعَةِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يَحِلُّ قَتْلُهُ مِنْ الْكَفَرَةِ وَمَنْ لَا يَحِلُّ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يَجُوزُ تَرْكُهُ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ، وَفِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ حَمْلُهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَمَا لَا يُكْرَهُ، وَفِي بَيَانِ مَا يَعْتَرِضُ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُحَرِّمَةِ لِلْقِتَالِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْغَنَائِمِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَاءِ الْكَفَرَةِ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي بَيَانِ أَحْكَامٍ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، وَفِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ، وَفِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْغُزَاةِ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ، وَالسِّيرَةُ فِي اللُّغَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الطَّرِيقَةُ، يُقَالُ: هُمَا عَلَى سِيرَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالثَّانِي: الْهَيْئَةُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} أَيْ هَيْئَتَهَا فَاحْتَمَلَ تَسْمِيَةُ هَذَا الْكِتَابِ كِتَابَ السِّيَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ طُرُقِ الْغُزَاةِ وَهَيْئَاتِهِمْ مِمَّا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْجِهَادُ فِي اللُّغَةِ فَعِبَارَةٌ عَنْ بَذْلِ الْجُهْدِ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْوُسْعُ وَالطَّاقَةُ، أَوْ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْعَمَلِ مِنْ الْجَهْدِ بِالْفَتْحِ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ يُسْتَعْمَلُ فِي بَذْلِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَاللِّسَانِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ كَيْفِيَّةِ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ:

وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ، فَالْأَمْرُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، إمَّا إنْ كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا (وَإِمَّا) إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَى جَمِيعِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، لَكِنْ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ؛ لِقَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ- {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُجَاهِدِينَ وَالْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى وَلَوْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَمَا وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ يَكُونُ حَرَامًا وَقَوْلِهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} الْآيَةَ وَلِأَنَّ مَا فُرِضَ لَهُ الْجِهَادُ وَهُوَ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَإِعْلَاءُ الدِّينِ الْحَقِّ، وَدَفْعُ شَرِّ الْكَفَرَةِ وَقَهْرِهِمْ، يَحْصُلُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ.
وَكَذَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَبْعَثُ السَّرَايَا، وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَكَانَ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْقُعُودُ عَنْهُ فِي حَالٍ، وَلَا أَذِنَ غَيْرَهُ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ بِحَالٍ، وَإِذَا كَانَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَلِّيَ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْغُزَاةِ فِيهِمْ غِنًى وَكِفَايَةٌ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ، فَإِذَا قَامُوا بِهِ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ ضَعُفَ أَهْلُ ثَغْرٍ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكَفَرَةِ، وَخِيفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَنْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ، وَأَنْ يَمُدُّوهُمْ بِالسِّلَاحِ، وَالْكُرَاعِ، وَالْمَالِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فُرِضَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، لَكِنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الْكِفَايَةِ بِالْبَعْضِ، فَمَا لَمْ يَحْصُلْ لَا يَسْقُطُ وَلَا يُبَاحُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، وَلَا الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَوْلَى، وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ.
كُلُّ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَكَذَا الْوَلَدُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا إذَا كَانَ الْآخَرُ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ سَفَرٍ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْهَلَاكُ، وَيَشْتَدُّ فِيهِ الْخَطَرُ لَا يَحِلُّ لَلْوَلَدِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يُشْفِقَانِ عَلَى وَلَدِهِمَا فَيَتَضَرَّرَانِ بِذَلِكَ، وَكُلُّ سَفَرٍ لَا يَشْتَدُّ فِيهِ الْخَطَرُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذَا لَمْ يُضَيِّعْهُمَا؛ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ رَخَّصَ فِي سَفَرِ التَّعَلُّمِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَضَرَّرَانِ بِذَلِكَ بَلْ يَنْتَفِعَانِ بِهِ، فَلَا يَلْحَقُهُ سِمَةُ الْعُقُوقِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا، فَأَمَّا إذَا عَمَّ النَّفِيرُ بِأَنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ، فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} قِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّفِيرِ.
وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ قَبْلَ عُمُومِ النَّفِيرِ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ عَنْ الْبَاقِينَ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ، فَإِذَا عَمَّ النَّفِيرُ لَا يَتَحَقَّقُ الْقِيَامُ بِهِ إلَّا بِالْكُلِّ، فَبَقِيَ فَرْضًا عَلَى الْكُلِّ عَيْنًا بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَيَخْرُجُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، وَالْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ عَيْنًا مُسْتَثْنَاةً عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ شَرْعًا، كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَكَذَا يُبَاحُ لِلْوَلَدِ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَظْهَرُ فِي فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَنْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ فَنَقُولُ إنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ فَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ بَذْلُ الْجُهْدِ، وَهُوَ الْوُسْعُ وَالطَّاقَةُ بِالْقِتَالِ، أَوْ الْمُبَالَغَةُ فِي عَمَلِ الْقِتَالِ، وَمَنْ لَا وُسْعَ لَهُ كَيْفَ يَبْذُلُ الْوُسْعَ وَالْعَمَلَ، فَلَا يُفْرَضُ عَلَى الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ، وَالزَّمِنِ وَالْمُقْعَدِ، وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ، وَالْمَرِيضِ وَالضَّعِيفِ، وَاَلَّذِي لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} الْآيَةَ وَقَالَ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَزَّ مِنْ قَائِلٍ- {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَدْ عَذَرَ اللَّهُ- جَلَّ شَأْنُهُ- هَؤُلَاءِ بِالتَّخَلُّفِ عَنْ الْجِهَادِ وَرَفَعَ الْحَرَجَ عَنْهُمْ.
وَلَا جِهَادَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ بِنْيَتَهُمَا لَا تَحْتَمِلُ الْحَرْبَ عَادَةً، وَعَلَى هَذَا الْغُزَاةُ إذَا جَاءَهُمْ جَمْعٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، وَخَافُوهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ، فَلَا بَأْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا إلَى بَعْضِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ إلَى بَعْضِ جُيُوشِهِمْ، وَالْحُكْمُ فِي هَذَا الْبَابِ لِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَأَكْبَرِ الظَّنِّ دُونَ الْعَدَدِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْغُزَاةِ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ يَلْزَمُهُمْ الثَّبَاتُ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ عَدَدًا مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْحَازُوا إلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِيَسْتَعِينُوا بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْ الْكَفَرَةِ، وَكَذَا الْوَاحِدُ مِنْ الْغُزَاةِ لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ مَعَهُمَا سِلَاحٌ، أَوْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْكَفَرَةِ وَمَعَهُ سِلَاحٌ، لَا بَأْسَ أَنْ يُوَلِّيَ دُبُرَهُ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ: قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} اللَّهُ- عَزَّ شَأْنُهُ- نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ تَوْلِيَةِ الْأَدْبَارِ عَامًّا بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ} وَأَوْعَدَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ} الْآيَةَ؛ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ} ثُمَّ اسْتَثْنَى- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَمَنْ يُوَلِّي دُبُرَهُ لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَقَالَ- عَزَّ مِنْ قَائِلٍ- {إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ} وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَظْرِ إبَاحَةٌ، فَكَانَ الْمَحْظُورُ تَوْلِيَةً مَخْصُوصَةً، وَهِيَ أَنْ يُوَلِّيَ دُبُرَهُ غَيْرَ مُتَحَرِّفٍ لِقِتَالٍ، وَلَا مُتَحَيِّزٍ إلَى فِئَةٍ فَبَقِيَتْ التَّوْلِيَةُ إلَى جِهَةِ التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْحَظْرِ، فَلَا تَكُونُ مَحْظُورَةً، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} إنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ لِلتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ خَصَّ فِيهَا، فَلَمْ تَكُنْ الْآيَتَانِ مَنْسُوخَتَيْنِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِينَ فَرُّوا إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ فِيهَا «أَنْتُمْ الْكَرَّارُونَ، أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ» أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ إلَى فِئَةٍ كَرَّارٌ وَلَيْسَ بِفَرَّارٍ مِنْ الزَّحْفِ، فَلَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْغُزَاةُ فِي سَفِينَةٍ فَاحْتَرَقَتْ السَّفِينَةُ وَخَافُوا الْغَرَقَ، حَكَّمُوا فِيهِ غَالِبَ رَأْيِهِمْ، وَأَكْبَرَ ظَنِّهِمْ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِمْ أَنَّهُمْ لَوْ طَرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ لِيَنْجُوا بِالسِّبَاحَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ الطُّرُقُ لِيَسْبَحُوا فَيَتَحَيَّزُوا إلَى فِئَةٍ، وَإِنْ اسْتَوَى جَانِبَا الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ، بِأَنْ كَانَ إذَا قَامُوا حُرِّقُوا، وَإِذَا طَرَحُوا غَرِقُوا، فَلَهُمْ الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- وَقَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُمْ لَوْ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَقَامُوا فِي السَّفِينَةِ لَهَلَكُوا أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُمْ لَوْ طَرَحُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ صَبَرُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ، فَكَانَ الصَّبْرُ أَقْرَبَ إلَى الْجِهَادِ، فَكَانَ أُولَى.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْهَلَاكِ، فَيَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بِالْغَرَقِ أَرْفَقَ قَوْلُهُ لَوْ أَقَامُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ وَقُلْنَا وَلَوْ طَرَحُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ أَيْضًا، إذْ الْعَدُوُّ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُمْ إلَيْهِ، فَكَانَ الْهَلَاكُ فِي الْحَالَيْنِ مُضَافًا إلَى فِعْلِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْهَلَاكُ بِالْغَرَقِ أَسْهَلَ فَيَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ، وَلَوْ طُعِنَ مُسْلِمٌ بِرُمْحٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْشِيَ إلَى مَنْ طَعَنَهُ مِنْ الْكَفَرَةِ حَتَّى يُجْهِزَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالْمَشْيِ إلَيْهِ بَذْلَ نَفْسِهِ؛ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَتَحْرِيضَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنْ لَا يَبْخَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي قِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فَكَانَ جَائِزًا وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ-.